الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)} {تُرْجي} بالهمزة والياء بدله: تؤخّر {مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} أي أزواجك عن نوبتها {وَتُئْوِى} تضمّ {إِلَيْكَ مَن تَشَاء} منهنّ فتأتيها {وَمَنِ ابتغيت} طلبت {مِمَّنْ عَزَلْتَ} من القسمة {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} في طلبها وضمها إليك، خُيِّرَ في ذلك بعد أن كان القسم واجباً عليه {ذلك} التخيير {أدنى} أقرب إلى {أَن تَقَرَ أعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنّ وَيَرْضَيْنَ بِمِآ ءَاتَيْتُهُنَّ} مما ذكر المخيّر فيه {كُلُّهُنَّ} تأكيد للفاعل في يرضين {والله يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ} من أمر النساء والميل إلى بعضهنّ، وإنما خيرناك فيهنّ تيسيراً عليك في كل ما أَردت {وَكَانَ الله عَلِيماً} بخلقه {حَلِيماً} عن عقابهم.
{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)} {لاَ يَحِلُّ} بالتاء والياء {لَكَ النسآء مِن بَعْدُ} بعد التسع اللاتي اخترنك {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ} بترك إحدى التاءين في الأصل {بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} بأن تطلقهنّ أو بعضهنّ وتنكح بدل من طلقت {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} من الإِماء فتحل لك، وقد ملك صلى الله عليه وسلم بعدهنّ مارية وولدت له إبراهيم ومات في حياته {وَكَانَ الله على كُلِّ شَئ رَّقِيباً} حفيظاً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} {ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} في الدخول بالدعاء {إلى طَعَامٍ} فتدخلوا {غَيْرَ ناظرين} منتظرين {إناه} نضجه، مصدر أنى يأني {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا وَلاَ} تمكثوا {مُسْتئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} من بعضكم لبعض {إِنَّ ذَلِكُمْ} المكث {كَانَ يُؤْذِى النبى فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ} أن يُخرجكم {والله لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ الحق} أن يخرجكم، أي لا يترك بيانه. وقرئ يستحي بياء واحدة {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} أي أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم {متاعا فاسئلوهن مِن وَرآءِ حِجَابٍ} ستر {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الخواطر المريبة {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} بشيء {وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله} ذنباً {عَظِيماً}.
{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)} {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ} من نكاحهنّ بعد {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَئ عَلِيماً} فيجازيكم عليه.
{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)} {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَآءِ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاءِ أخواتهن وَلاَ نِسَآئِهِنَّ} أي المؤمنات {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من الإِماء والعبيد أن يروهنّ ويكلموهنّ من غير حجاب {واتقين الله} فيما أُمرتنّ به {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَئ شَهِيداً} لا يخفى عليه شيء.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى} محمد صلى الله عليه وسلم {ياأيها الذين ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} أي قولوا: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلِّم.
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} وهم الكفار يصفون الله بما هو منزّه عنه من الولد والشريك ويكذبون رسوله {لَعَنَهُمُ الله فِى الدنيا والأخرة} أبعدهم {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} ذا إهانة وهو النار.
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} يرمونهم بغير ما عملوا {فَقَدِ احتملوا بهتانا} تحمَّلوا كذبا {وَإِثْماً مُّبِيناً} بيِّنا.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} {يأَيُّهَا النبى قُل لأزواجك وبناتك وَنِسَآءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي يُرخِين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهنّ إلا عيناً واحدة {ذلك أدنى} أقرب إلى {أَن يُعْرَفْنَ} بأنهنّ حرائر {فَلاَ يُؤْذَيْنَ} بالتعرّض لهنّ بخلاف الإِماء فلا يغطين وجوههنّ، فكان المنافقون يتعرّضون لهنّ {وَكَانَ الله غَفُوراً} لما سلف منهن من ترك الستر {رَّحِيماً} بهنّ إذ سترهنّ.
{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)} {لَئِنْ} لام قسم {لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} عن نفاقهم {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} بالزنى {والمرجفون فِى المدينة} المؤمنين بقولهم: قد أتاكم العدوّ وسراياكم قتلوا أو هزموا {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنسلطنك عليهم {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ} يساكنونك {فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً}.
{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} ثم يخرجون {مَّلْعُونِينَ} مُبْعدِينَ عن الرحمة {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} وُجدوا {أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً} أي الحكم فيهم هذا على جهة الأمر به.
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)} {سُنَّةَ الله} أي سنَّ الله ذلك {فِى الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} من الأمم الماضية في منافقيهم المرجفين {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} منه.
{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} {يَسْئَلُكَ الناس} أي أهل مكة {عَنِ الساعة} متى تكون؟ {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ} يعلمك بها؟ أي أنت لا تعلمها {لَعَلَّ الساعة تَكُونُ} توجد {قَرِيبًا}.
{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)} {إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} أبعدهم {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} ناراً شديدة يدخلونها.
{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} {خالدين} مقدّراً خلودهم {فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً} يحفظهم عنها {وَلاَ نَصِيراً} يدفعها عنهم.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)} {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النار يَقُولُونَ ياليتنا} للتنبيه {لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا}.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)} {وَقَالُواْ} أي الأتباع منهم {رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا} وفي قراءة «ساداتِنا» جمع الجمع {وَكُبَرآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا} طريق الهدى.
{رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} {رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} أي مثلَيْ عذابنا {والعنهم} عذّبهم {لَعْناً كَبِيراً} عددهُ. وفي قراءة (كبيراً) بالموحدة: أي عظيماً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)} {ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ} مع نبيكم {كالذين ءَاذَوْاْ موسى} بقولهم مثلاً: ما يمنعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} بأن وضع ثوبه على حجر ليغتسل ففرّ الحجر به حتى وقف بين ملأ من بني إسرائيل، فأدركه موسى فأخذ ثوبه فاستتر به فرأوه لوا أدرة به وهي نفخة في الخصية {وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً} ذا جاه. ومما أوذي به نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قسم قسماً فقال رجل: هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله تعالى فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال: «يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» رواه البخاري.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)} {وَجِيهاً ياأيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} صواباً.
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} {يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم} يتقبلها {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} نال غاية مطلوبه.
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة} الصلوات وغيرها مما في فعلها من الثواب وتركها من العقاب {على السموات والأرض *والجبال} بأن خلق فيها فهماً ونطقاً {فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ} خفن {مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان} آدم بعد عرضها عليه {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً} لنفسه بما حمله {جَهُولاً} به.
{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)} {لّيُعَذِّبَ الله} اللام متعلقة ب«عرضنا» المترتب عليه حمل آدم {المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} المضيّعين الأمانة {وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات} المؤدّين الأمانة {وَكَانَ الله غَفُوراً} للمؤمنين {رَّحِيماً} بهم.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)} {الحمد للَّهِ} حَمِدَ تعالى نفسه بذلك، والمراد به الثناء بمضمونه من ثبوت الحمد وهو الوصف بالجميل لله تعالى {الذى لَهُ مَا فِى 1649;لسماوات وَمَا فِي الأرض} ملكاً وخلقاً {وَلَهُ الحمد فِى الأخرة} كالدنيا: يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة {وَهُوَ الحكيم} في فعله {الخبير} بخلقه.
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)} {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ} يدخل {فِى الأرض} كماء وغيره {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} كنبات وغيره {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من رزق وغيره {وَمَا يَعْرُجُ} يصعد {فِيهَا} من عمل وغيره {وَهُوَ الرحيم} بأوليائه {الغفور} لهم.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)} {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة} القيامة {قُلْ} لهم {بلى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالم الغيب} بالجرّ صفة، والرفع خبر مبتدأ و(علاّم) بالجر {لاَ يَعْزُبُ} يغيب {عَنْهُ مِثْقَالُ} وزن {ذَرَّةٍ} أصغر نملة {فِي السماوات وَلاَ فِى الأرض وَلآَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلآ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ} بيّن: هو اللوح المحفوظ.
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} {لِيَجْزِىَ} فيها {الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} حسن في الجنة.
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)} {والذين سَعَوْ فِى} إبطال {ءاياتنا} القرآن {معاجزين} وفي قراءة هنا وفيما يأتي «معاجزين» أي مقدّرين عجزنا أو مسابقين لنا، فيفوتوننا لظنهم أن لا بعث ولا عقاب {أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ} سيِّئ العذاب {أَلِيمٌ} مؤلم بالجر، والرفع صفة لرجز أو عذاب.
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)} {وَيَرَى} يعلم {الذين أُوتُواْ العلم} مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه {الذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي القرآن {هُوَ} فصل {الحق وَيَهْدِى إلى صراط} طريق {العزيز الحميد} أي الله ذو العزة المحمود.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)} {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} أي قال بعضهم على جهة التعجب لبعض {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ} هو محمد {يُنَبِّئُكُمْ} يخبركم أنكم {إِذَا مُزِّقْتُمْ} قُطِّعتم {كُلَّ مُمَزَّقٍ} بمعنى تمزيق {إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ}؟.
{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)} {أفترى} بفتح الهمزة للاستفهام واستغنى بها عن همزة الوصل {عَلَى الله كَذِبًا} في ذلك {أَم بِهِ جِنَّةٌ} جنون تخيل به ذلك، قال تعالى: {بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة} المشتملة على البعث والعذاب {فِى العذاب} فيها {والضلال البعيد} عن الحق في الدنيا.
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)} {أَفَلَمْ يَرَوْاْ} ينظروا {إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} ما فوقهم وما تحتهم {مِّنَ السمآء والأرض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً} بسكون السين وفتحها: قطعة {مِّنَ السمآء} وفي قراءة في الأفعال الثلاثة بالياء {إِنَّ فِى ذلك} المرئيِّ {لأَيَةً لِّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} راجع إلى ربه، تدل على قدرة الله على البعث وما يشاء.
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)} {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدُ مِنَّا فَضْلاً} نبوّة وكتاباً وقلنا {ياجبال أَوِّبِى} رجعي {مَعَهُ} بالتسبيح {والطير} بالنصب عطفاً على محل الجبال، أي ودعوناها تسبح معه {وَأَلَنَّا لَهُ الحديد} فكان في يده كالعجين.
{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)} وقلنا {أَنِ اعمل} منه {سابغات} دروعاً كوامل يجرّها لابسها على الأرض {وَقَدِّرْ فِى السرد} أي نسج الدروع، قيل لصانعها سَرَّاد أي اجعله بحيث تتناسب حلقه {واعملوا} أي آل داود معه {صالحا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فأجازيكم به.
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)} {و} سخَّرنا {لسليمان الريح} وقراءة الرفع بتقدير: تسخير {غُدُوُّهَا} مسيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال {شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا} سيرها من الزوال إلى الغروب {شَهْرٌ} أي مسيرته {وَأَسَلْنَا} أذبنا {لَهُ عَيْنَ القطر} أي النحاس فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان {وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ} بأمر {رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ} يعدل {مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} له بطاعته {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير} النار في الآخرة، وقيل في الدنيا، بأن يضربه ملك بسوط منها ضربة تحرقه.
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن محاريب} أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج {وتماثيل} جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء: أي صور من نحاس وزجاج ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حراماً في شريعته {وَجِفَانٍ} جمع جفنة {كالجواب} ي جمع جابية وهو حوض كبير يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها {وَقُدُورٍ راسيات} ثابتات لها قوائم لا تتحرّك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم وقلنا {اعملوا} يا {ءَالَ دَاوُدُ} بطاعة الله {شُكْراً} له على ما آتاكم {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور} العامل بطاعتي شكرا لنعمتي.
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)} {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ} على سليمان {الموت} أي مات ومكث قائماً على عصاه حولاً ميتاً. والجنّ تعمل تلك الأعمال الشاقة على عادتها لا تشعر بموته حتى أكلت الأَرَضَةُ عصاه فخرّ ميتاً {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ إِلاَّ دَآبَّةُ الأًرْضِ} مصدر أُرِضَت الخشبة بالبناء للمفعول أكلتها الأَرَضَةُ {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} بالهمز وتركه بألف: عصاه، لأنها تنسأ تطرد ويُزْجَرُ بها {فَلَمَّا خَرَّ} ميتاً {تَبَيَّنَتِ الجن} انكشف لهم {أن} مخففة: أي أنهم {لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب} ومنه ما غاب عنهم من موت سليمان {مَا لَبِثُواْ فِى العذاب المهين} العمل الشاقّ لهم لظنهم حياته خلاف ظنهم علم الغيب، وَعُلِمَ كونه سنة بحساب ما أكلته الأرضة من العصا بعد موته يوماً وليلة مثلاً.
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)} {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} بالصرف وعدمه: قبيلة سميت باسم جد لهم من العرب {فِى مَسَكَنِهِمْ} باليمن {ءَايَةٌ} دالة على قدرة الله تعالى {جَنَّتَانِ} بدل {عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} عن يمين واديهم وشماله. وقيل لهم: {كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشكروا لَهُ} على ما رزقكم من النعمة في أرض سبأ {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} ليس فيها سباخ ولا بعوضة ولا ذبابة ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ولا قملة وإن مرَّ الغريب فيها وفي ثيابه قمل فيموت لطيب هوائها {وَ} الله {رَبٌّ غَفُورٌ}.
{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)} {فَأَعْرَضُواْ} عن شكره وكفروا {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} جمع عرمة وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته، أي سيل ودايهم الممسوك بما ذكر، فأغرق جنّتيهم وأموالهم {وبدلناهم بِجَنَّتِيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ} تثنية ذوات مفرد على الأصل {أُكُلٍ خَمْطٍ} مرٍّ بشع بإضافة أكل بمعنى مأكول وتركها ويعطف عليه {وَأَثْلٍ وَشَئ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ}.
{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)} {ذلك} التبديل {جزيناهم بِمَا كَفَرُواْ} بكفرهم {وَهَلْ نُجَازِى إِلاَّ الكفور} بالياء والنون مع كسر الزاي ونصب الكفور، أي ما يناقش إلا هو.
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18)} {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم} بين سبأ، وهم باليمن {وَبَيْنَ القرى التى باركنا فِيهَا} بالماء والشجر، وهي قرى الشام التي يسيرون إليها للتجارة {قُرًى ظاهرة} متواصلة من اليمن إلى الشام {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير} بحيث يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى إلى انتهاء سفرهم، ولا يحتاجون فيه إلى حمل زاد وماء: أي وقلنا {سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً ءَامِنِينَ} لا تخافون في ليل ولا نهار.
{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)} {فَقَالُواْ رَبَّنَا باعد} وفي قراءة بَعِّدْ {بَيْنَ أَسْفَارِنَا} إلى الشام اجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل وحمل الزاد والماء فبطروا النعمة {وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالكفر {فجعلناهم أَحَادِيثَ} لمن بعدهم في ذلك {ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ} فرقناهم في البلاد كل التفريق {إِنَّ فِى ذلك} المذكور {لأيات} عبراً {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} عن المعاصي {شَكُورٍ} على النعم.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} {وَلَقَدْ صَدَّقَ} بالتخفيف والتشديد {عَلَيْهِمْ} أي الكفار، منهم سبأ {إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} أنهم بإغوائه يتبعونه {فاتبعوه} فصدق بالتخفيف في ظنه أو صدّق بالتشديد ظنه: أي وجده صادقاً {إِلاَّ} بمعنى لكن {فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين} للبيان: أي هم المؤمنون لم يتبعوه.
{وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)} {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سلطان} تسليط منا {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} علم ظهور {مَن يُؤْمِنُ بالأخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ} فنجازي كلاًّ منهما {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَئ حَفُيظٌ} رقيب.
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)} {قُلْ} يا محمد لكفار مكة {ادعوا الذين زَعَمْتُمْ} أي زعمتموهم آلهة {مِن دُونِ الله} أي غيره لينفعوكم بزعمكم، قال تعالى فيهم: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ} وزن {ذَرَّةٍ} من خير أو شر {فِي السماوات وَلاَ فِى الأرض وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} شركه {وَمَا لَهُ} تعالى {مِنْهُمْ} من الآلهة {مِّن ظَهِيرٍ} معين.
{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)} {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ} تعالى ردّاً لقولهم إن آلهتهم تشفع عنده {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ} بفتح الهمزة وضمها {لَهُ} فيها {حتى إِذَا فُزِّعَ} بالبناء للفاعل والمفعول {عَن قُلُوبِهِمْ} كشف عنها الفزع بالإِذن فيها؟ {قَالُواْ} قال بعضهم لبعض استبشاراً {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} فيها {قَالُواْ} القول {الحق} أي قد أذن فيها {وَهُوَ العلى} فوق خلقه بالقهر {الكبير} العظيم.
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)} {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماوات} المطر {والأرض} النبات؟ {قُلِ الله} إن لم يقولوه، لا جواب غيره {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ} أي أحد الفريقين {لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ} بيِّن، في الإِبهام تلطَّف بهم داع إلى الإيمان إذا وُفِّقُوا له.
{قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)} {قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا} أذنبنا {وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} لأنا بريئون منكم.
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)} {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يوم القيامة {ثُمَّ يَفْتَحُ} يحكم {بَيْنَنَا بالحق} فيدخِل المحقين الجنة والمبطلين النار {وَهُوَ الفتاح} الحاكم {العليم} بما يحكم به.
{قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)} {قُلْ أَرُونِىَ} أعلموني {الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ} في العبادة {كَلاَّ} ردع لهم عن اعتقاد شريك له {بَلْ هُوَ الله العزيز} الغالب على أمره {الحكيم} في تدبيره لخلقه فلا يكون له شريك في ملكه.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} {وَمآ أرسلناك إِلاَّ كَآفَّةً} حال من الناس، قُدِّم للاهتمام {لِّلنَّاسِ بَشِيراً} مبشراً للمؤمنين بالجنة {وَنَذِيرًا} منذراً للكافرين بالعذاب {ولكن أَكْثَرَ الناس} أي كفار مكة {لاَّ يَعْلَمُونَ} ذلك.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)} {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} بالعذاب {إِن كُنتُمْ صادقين} فيه؟.
{قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)} {قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَئَخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ} عليه وهو يوم القيامة.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)} {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} من أهل مكة {لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرءان وَلاَ بالذى بَيْنَ يَدَيْهِ} أي تقدمه كالتوراة والإِنجيل الدالين على البعث لإِنكارهم له. قال تعالى فيهم: {وَلَوْ تَرَى} يا محمد {إِذِ الظالمون} الكافرون {مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول يَقُولُ الذين استضعفوا} الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} الرؤساء {لَوْلاَ أَنتُمْ} صددتمونا عن الإِيمان {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} بالنبي.
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)} {قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا أَنَحْنُ صددناكم عَنِ الهدى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ}؟ لا {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} في أنفسكم.
{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)} {وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} أي مكر فيهما منكم بنا {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} شركاء {وَأَسَرُّواْ} أي الفريقان {الندامة} على ترك الإيمان به {لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} أي أخفاها كلٌّ عن رفيقه مخافة التعيير {وَجَعَلْنَا الأغلال فِى أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} في النار {هَلُ} ما {يُجْزَوْنَ إِلاَّ} جزاء {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الدنيا.
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)} {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} رؤساؤها المتنعمون {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون}.
{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)} {وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أموالا وأولادا} ممن آمن {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)} {قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرزق} يوسعه {لِمَن يَشَآءُ} امتحاناً {وَيَقْدِرُ} يضيقه لمن يشاء ابتلاء {ولكن أَكْثَرَ الناس} أي كفار مكة {لاَّ يَعْلَمُونَ} ذلك.
{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37)} {وَمآ أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} قربى، أي تقريباً {إِلا} لكن {مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالحا فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ} أي جزاء العمل. الحسنة مثلاً بعشر فأكثر {وَهُمْ فِى الغرفات} من الجنة {ءَامِنُونَ} الموت وغيره. وفي قراءة «الغرْفة» بمعنى الجمع.
{وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)} {والذين يَسْعَوْنَ فِى ءاياتنا} القرآن بالإِبطال {معاجزين} لنا مقدرين عجزنا وأنهم يفوتوننا {أولئك فِى العذاب مُحْضَرُونَ}.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} {قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرزق} يوسعه {لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} امتحاناً {وَيَقْدِرُ} يضيقه {لَهُ} بعد البسط أو لمن يشاء ابتلاء {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَئ} في الخير {فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} يقال كل إنسان يرزق عائلته أي برزق الله.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)} {وَ} اذكر {يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} أي المشركين {ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أهؤلاء إِيَّاكُمْ} بتحقيق الهمزتين وإبدال الأولى ياء وإسقاطها {كَانُواْ يَعْبُدُونَ}.
{قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} {قَالُواْ سبحانك} تنزيهاً لك عن الشريك {أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ} أي لا موالاة بيننا وبينهم من جهتنا {بَلْ} للانتقال {كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} الشياطين أي يطيعونهم في عبادتهم إيانا {أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} مصدّقون فيما يقولون لهم.
{فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)} قال تعالى {فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ} أي بعض المعبودين لبعض العابدين {نَفْعاً} شفاعة {وَلاَ ضَرًّا} تعذيباً {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفروا {ذُوقُواْ عَذَابَ النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ}.
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)} {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} القرآن {بينات} واضحات بلسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {قَالُواْ مَا هاذآ إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ} من الأصنام {وَقَالُواْ مَا هاذآ} أي القرآن {إِلاَّ إِفْكٌ} كذب {مُّفْتَرًى} على الله {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ} القرآن {لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ} ما {هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} بيِّن.
{وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)} قال تعالى: {وَمآ ءاتيناهم مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ} فمن أين كذبوك؟.
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)} {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ} أي هؤلاء {مِعْشَارَ مآ ءاتيناهم} من القوّة وطول العمر وكثرة المال {فَكَذَّبُواْ رُسُلِى} إليهم {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} إنكاري عليهم بالعقوبة والإِهلاك؟ أي هو واقع موقعه.
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)} {قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بواحدة} هي {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ} أي لأجله {مثنى} أي اثنين اثنين {وفرادى} واحداً واحداً {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} فتعلموا {مَا بِصَاحِبِكُمْ} محمد {مِّن جِنَّةٍ} جنون {إن} ما {هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ} أي قبل {عَذَابٍ شَدِيدٍ} في الآخرة إن عصيتموه.
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)} {قُلْ} لهم {مَا سَأَلْتُكُم} على الإِنذار والتبليغ {مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} أي لا أسألكم عليه أجراً {إِنْ أَجْرِىَ} ما ثوابي {إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلِّ شَئ شَهِيدٌ} مطَّلع يعلم صدقي.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)} {قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بالحق} يلقيه إلى أنبيائه {علام الغيوب} ما غاب عن خلقه في السموات والأرض.
{قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)} {قُلْ جَآءَ الحق} الإِسلام {وَمَا يُبْدِئ الباطل} الكفر {وَمَا يُعِيدُ} أي لم يبق له أثر.
{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)} {قُلْ إِن ضَلَلْتُ} عن الحق {فَإِنَّمَآ أَضِلُّ على نَفْسِى} أي إثم ضلالي عليها {وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبِّى} من القرآن والحكمة {إِنَّهُ سَمِيعٌ} للدعاء {قَرِيبٌ}.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)} {وَلَوْ ترى} يا محمد {إِذْ فَزِعُواْ} عند البعث لرأيت أمراً عظيماً {فَلاَ فَوْتَ} لهم منا أي لا يفوتوننا {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} أي القبور.
{وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)} {وَقَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ} بمحمد أو القرآن {وأنى لَهُمُ التناوش} بواو وبالهمزة بدلها، أي تناول الإِيمان {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} عن محله إذ هم في الآخرة، ومحله الدنيا.
{وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)} {وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} في الدنيا {ويَقْدِفُونَ} يرمون {بالغيب مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أي بما غاب علمه عنهم غيبة بعيدة حيث قالوا في النبي: ساحر، شاعر، كاهن، وفي القرآن: سحر، شعر، كهانة.
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)} {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من الإِيمان أي قبوله {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} أشباههم في الكفر {مِن قَبْلُ} أي قبلهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكٍّ مُّرِيبٍ} موقع في الريبة لهم فيما آمنوا به الآن ولم يعتدّوا بدلائله في الدنيا.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} {الحمد للَّهِ} حَمِدَ الله تعالى نفسه بذلك كما بيَّن في أول سبأ {فَاطِرَ السماوات والأرض} خالقهما على غير مثال سبق {جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} إلى الأنبياء {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مثنى وثلاث ورباع يَزِيدُ فِى الخلق} في الملائكة وغيرها {مَا يَشَآءُ إِنَّ الله على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ}.
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)} {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} كرزق ومطر {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ} من ذلك {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} أي بعد إمساكه {وَهُوَ العزيز} الغالب على أمره {الحكيم} في فعله.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)} {ياأيها الناس} أي أهل مكة {اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} بإسكانكم الحرم ومنع الغارات عنكم {هَلْ مِنْ خالق} «من» زائدة و«خالق» مبتدأ {غَيْرُ الله} بالرفع والجر نعت ل «خالق» لفظا ومحلاًّ، وخبر المبتدأ {يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء} المطر {وَ} من {الأرض} النبات؟ والاستفهام للتقرير: أي لا خالق رزاق غيره {لاَ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ} من أين تصرفون عن توحيده مع إقراركم بأنه الخالق الرازق؟
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)} {وَإِن يُكَذِّبُوكَ} يا محمد في مجيئك بالتوحيد والبعث، والحساب والعقاب {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} في ذلك فاصبر كما صبروا {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} في الآخرة فيجازي المكذبين وينصر المرسلين.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)} {ياأيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله} بالبعث وغيره {حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا} عن الإِيمان بذلك {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله} في حلمه وإمهاله {الغرور} الشيطان.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} {إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً} بطاعة الله ولا تطيعوه {إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ} أتباعه في الكفر {لِيَكُونُواْ مِنْ أصحاب السعير} النار الشديدة.
{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} {الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هذا بيان ما لموافقي الشيطان وما لمخالفيه.
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)} ونزل في أبي جهل وغيره. {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} بالتمويه {فَرَءَاهُ حَسَناً} «مَن» مبتدأ خبره: كمن هداه الله؟ لا، دل عليه: {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ} على المزين لهم {حسرات} باغتمامك أن لا يؤمنوا {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فيجازيهم عليه.
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)} {والله الذى أَرْسَلَ الرياح} وفي قراءة: «الريحَ» {فَتُثِيرُ سَحَاباً} المضارع لحكاية الحال الماضية، أي تزعجه {فسقناه} فيه التفات عن الغيبة {إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} بالتشديد والتخفيف. لا نبات بها {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض} من البلد {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها، أي أنبتنا به الزرع والكلأ {كذلك النشور} أي البعث والإِحياء.
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)} {مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً} أي في الدنيا والآخرة فلا تنال منه إلا بطاعته فليطعه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} يعلمه وهو: لا إله إلا الله، ونحوها {والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} يقبله {والذين يَمْكُرُونَ} المكرات {السيئات} بالنبي في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في (الأنفال) [30: 8] {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ} يهلك.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)} {والله خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} بخلق أبيكم آدم منه {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي منيّ بخلق ذريته منها {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزواجا} ذكوراً وإناثاً {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} حال، أي معلومة له {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} أي ما يزاد في عمر طويل العمر {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} أي ذلك المعمَّر أو معمَّر آخر {إِلاَّ فِى كتاب} هو اللوح المحفوظ {إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} هيِّن.
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)} {وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ} شديد العذوبة {سَآئِغٌ شَرَابُهُ} شربه {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} شديد الملوحة {وَمِن كُلٍّ} منهما {تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} هو السمك {وَتَسْتَخْرِجُونَ} من الملح، وقيل منهما {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} هي اللؤلؤ والمرجان {وترى} تبصر {الفلك} السفن {فِيهِ} في كل منهما {مَوَاخِرَ} تمخر الماء، أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة {لِّتَبْتَغُواْ} تطلبوا {مِن فَضْلِهِ} تعالى بالتجارة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على ذلك.
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)} {يُولِجُ} يدخل الله {اليل فِى النهار} فيزيد {وَيُولِجُ النهار} يدخله {فِى اليل} فيزيد {وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ} منهما {يَجْرِى} في فلكه {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} يوم القيامة {ذلكم الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك والذين تَدْعُونَ} تعبدون {مِن دُونِهِ} أي غيره وهم الأصنام {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} لفافة النواة.
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} {إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ} فرضاً {مَا استجابوا لَكُمْ} ما أجابوكم {وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} بإشراككم إياهم مع الله، أي يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياهم {وَلاَ يُنَبِّئُكَ} بأحوال الدارين {مِثْلُ خَبِيرٍ} عالم وهو الله تعالى.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} {ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} بكل حال {والله هُوَ الغنى} عن خلقه {الحميد} المحمود في صنعه بهم.
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)} {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} بدلكم.
{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)} {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} شديد.
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)} {وَلاَ تَزِرُ} نفس {وازِرَةٌ} آثمة، أي لا تحمل {وِزْرَ} نفس {أخرى وَإِن تَدْعُ} نفس {مُثْقَلَةٌ} بالوزر {إلى حِمْلِهَا} منه أحداً ليحمل بعضه {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَئ وَلَوْ كَانَ} المدعوّ {ذَا قربى} قرابة كالأب والابن، وعدم الحمل في الشقين حكم من الله {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} أي يخافونه وما رأوه لأنهم المنتفعون بالإِنذار {وَأَقَامُواْ الصلاة} أداموها {وَمَن تزكى} تطهّر من الشرك وغيره {فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} فصلاحه مختص به {وإلى الله المصير} المرجع فيجازي في الآخرة بالعمل.
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)} {وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير} الكافر والمؤمن.
{وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)} {وَلاَ الظلمات} الكفر {وَلاَ النور} الإِيمان.
{وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)} {وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} الجنة والنار.
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)} {وَمَا يَسْتَوِى الأحيآء وَلاَ الأموات} المؤمنون ولا الكافرون، وزيادة «لا» في الثلاثة تأكيد {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشآءُ} هدايته فيجيبه بالإِيمان {وَمآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى القبور} أي الكفار شبههم بالموتى فلا يجيبون.
{إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)} {إن} ما {أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} منذر لهم.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)} {إِنَّآ أرسلناك بالحق} بالهدى {بَشِيراً} من أجاب إليه {وَنَذِيرًا} من لم يجب إليه {وَإِنْ} ما {مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ} سلف {فِيهَا نَذِيرٌ} نبي ينذرها.
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)} {وَإِن يُكَذِّبُوكَ} أي أهل مكة {فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} المعجزات {وبالزبر} كصحف إبراهيم {وبالكتاب المنير} هو التوراة والإِنجيل، فاصبر كما صبروا.
{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)} {ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ} بتكذيبهم {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} إنكاري عليهم بالعقوبة والإِهلاك؟ أي هو واقع موقعه.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)} {أَلَمْ تَرَ} تعلم {أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السمآء مآءً فَأَخْرَجْنَا} فيه التفات عن الغيبة {بِهِ ثمرات مُّخْتَلِفاً ألوانها} كأخضر وأحمر وأصفر وغيرها {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ} جمع جدة، طريق في الجبل وغيره {بِيضٌ وَحُمْرٌ} وصفر {مُخْتَلِفٌ ألوانها} بالشدة والضعف {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} عطف على «جدد» أي صخور شديدة السواد، يقال كثيراً: أسود غربيب، وقليلاً: غربيب أسود.
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} {وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ ألوانه كذلك} كاختلاف الثمار والجبال {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماؤا} بخلاف الجهّال ككفار مكة {إِنَّ الله عَزِيزٌ} في ملكه {غَفُورٌ} لذنوب عباده المؤمنين.
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)} {إِنَّ الذين يَتْلُونَ} يقرأون {كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة} أداموها {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رزقناهم سِرّا وَعَلاَنِيَةً} زكاة وغيرها {يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ} تهلك.
{لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} ثواب أعمالهم المذكورة {وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ} لذنوبهم {شَكُورٌ} لطاعتهم.
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)} {والذى أَوْحَيْنآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} القرآن {هُوَ الحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} تقدمه من الكتب {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} عالم بالبواطن والظواهر.
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} {ثُمَّ أَوْرَثْنَا} أعطينا {الكتاب} القرآن {الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} وهم أمتك {فَمِنْهُمْ ظالم لِّنَفْسِهِ} بالتقصير في العمل به {وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} يعمل به أغلب الأوقات {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات} يضم إلى العمل به التعليم والإِرشاد إلى العمل به {بِإِذُنِ الله} بإرادته {ذلك} أي إيراثهم الكتاب {هُوَ الفضل الكبير}.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} {جنات عَدْنٍ} إقامة {يَدْخُلُونَهَا} الثلاثة بالبناء للفاعل وللمفعول خبر جناتُ المبتدأ {يُحَلَّوْنَ} خبر ثان {فِيهَا مِنْ} بعض {أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} مرصع بالذهب {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)} {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} جميعه {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} للذنوب {شَكُورٌ} للطاعة.
{الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} {الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة} أي الإِقامة {مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} تعب {وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} إعياء من التعب لعدم التكليف فيها وذكر الثاني التابع للأول للتصريح بنفيه.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ} بالموت {فَيَمُوتُواْ} يستريحوا {وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا} طرفة عين {كذلك} كما جزيناهم {نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ} كافر بالياء والنون المفتوحة مع كسر الزاي ونصب كل.
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} يستغيثون بشدّة وعويل يقولون {رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا} منها {نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ} فيقال لهم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا} وقتاً {يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير} الرسول؟ فيما أجبتم {فَذُوقُواْ فَمَا للظالمين} الكافرين {مِن نَّصِيرٍ} يدفع العذاب عنهم.
{إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)} {إِنَّ الله عالم غَيْبِ السماوات والأرض إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بما في القلوب، فَعِلْمُهُ بغيره أولى بالنظر إلى حال الناس.
{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)} {هُوَ الذى جَعَلَكُمْ خلائف فِى الأرض} جمع خليفة، أي يخلف بعضكم بعضاً {فَمَن كَفَرَ} منكم {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي وبال كفره {وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً} غضباً {وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً} للآخرة.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)} {قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكآءَكُمُ الذين تَدْعُونَ} تعبدون {مِن دُونِ الله} أي غيره، وهم الأصنام الذين زعمتم أنهم شركاء الله تعالى {أَرُونِىَ} أخبروني {مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} شركة مع الله {فِى} خلق {السماوات أَمْ ءاتيناهم كتابا فَهُمْ على بَيِّنتٍ} حجة {مِنْهُ} بأنّ لهم معي شركة؟ لا شيء من ذلك {بَلْ إِن} ما {يَعِدُ الظالمون} الكافرون {بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً} باطلاً بقولهم: الأصنام تشفع لهم.
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} أي يمنعهما من الزوال {وَلَئِنِ} لام قسم {زَالَتآ إِنْ} ما {أَمْسَكَهُمَا} يمسكهما {مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} أي سواه {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} في تأخير عقاب الكفار.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)} {وَأَقْسَمُواْ} أي كفار مكة {بالله جَهْدَ أيمانهم} غاية اجتهادهم فيها {لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ} رسول {لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم} اليهود والنصارى وغيرهما، أي: أيّ واحدة منها لما رأوا من تكذيب بعضهما بعضاً، إذ {وَقَاَلتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَئ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَئ} [113: 2] {فَلَمَّا جآءَهُمْ نَذِيرٌ} محمد صلى الله عليه وسلم {مَّا زَادَهُمْ} مجيئه {إِلاَّ نُفُورًا} تباعداً عن الهدى.
{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} {استكبارا فِى الأرض} عن الإِيمان، مفعول له {وَمَكْرَ} العمل {السيء} من الشرك وغيره {وَلاَ يَحِيقُ} يحيط {المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} وهو الماكر، ووصف المكر بالسيء أصل، وإضافته إليه قبل: استعمال آخر، قدر فيه مضاف حذراً من الإِضافة إلى الصفة {فَهَلْ يَنظُرُونَ} ينتظرون {إِلاَّ سُنَّتَ الأولين} سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً} أي لا يبدّل بالعذاب غيره ولا يحوّل إلى غير مستحقه.
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)} {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقبة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} فأهلكهم الله بتكذيبهم رسلهم {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ} يسبقه ويفوته {مِن شَئ فِي السماوات وَلاَ فِى الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً} أي بالأشياء كلها {قَدِيراً} عليها.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)} {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ} من المعاصي {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} أي الأرض {مِن دَآبَّةٍ} نسمة تدبّ عليها {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أي يوم القيامة {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} فيجازيهم على أعمالهم، بإثابة المؤمنين وعقاب الكافرين.
{يس (1)} {يس} الله أعلم بمراده به.
{وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)} {والقرءان الحكيم} المحكم بعجيب النظم وبديع المعاني.
{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)} {إِنَّكَ} يا محمد {لَمِنَ المرسلين}.
{عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)} {على} متعلق بما قبله {صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي طريق الأنبياء قبلك التوحيد والهدى، والتأكيد بالقسم وغيره ردّ لقول الكفار له {لَسْتَ مُرْسَلاً}.
{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)} {تَنزِيلَ العزيز} في ملكه {الرحيم} بخلقه خبر مبتدأ مقدّر، أي القرآن.
{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)} {لِّتُنذِرَ} به {قَوْماً} متعلق بتنزيل {مَّآ أُنذِرَ ءَابآؤُهُمْ} أي لم ينذروا في زمن الفترة {فَهُمْ} أي القوم {غافلون} عن الإِيمان والرشد.
{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)} {لَقَدْ حَقَّ القول} وجب {على أَكْثَرِهِمْ} بالعذاب {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي الأكثر.
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)} {إِنَّا جَعَلْنَا فِى أعناقهم أغلالا} بأن تضم إليها الأيدي لأنّ الغل يجمع اليد إلى العنق {فَهِىَ} أي الأيدي مجموعة {إِلَى الأذقان} جمع ذقن وهي مجتمع اللحيين {فَهُم مُّقْمَحُونَ} رافعون رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، وهذا تمثيل، والمراد أنهم لا يذعنون للإِيمان ولا يخفضون رؤوسهم له.
{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)} {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} بفتح السين وضمها في الموضعين {فأغشيناهم فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} تمثيل أيضاً لسد طرق الإِيمان عليهم.
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)} {وَسَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ}؟ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)} {إِنَّمَا تُنذِرُ} ينفع إنذارك {مَنِ اتبع الذكر} القرآن {وَخشِىَ الرحمن بالغيب} خافه ولم يره {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} هو الجنة.
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)} {إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الموتى} للبعث {وَنَكْتُبُ} في اللوح المحفوظ {مَاَ قَدَّمُواْ} في حياتهم من خير وشرّ ليُجازوا عليه {وءاثارهم} ما استنَّ به بعدهم {وَكُلَّ شَئ} نصبه بفعل يفسره {أحصيناه} ضبطناه {فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ} كتاب بيِّن، هو اللوح المحفوظ.
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)} {واضرب} اجعل {لَهُمْ مَّثَلاً} مفعول أول {أصحاب} مفعول ثان {القرية} انطاكية {إِذْ جَآءَهَا} إلى آخره بدل اشتمال من أصحاب القرية {المرسلون} أي رسل عيسى.
{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)} {إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا} إلى آخره بدل من إذ الأولى {فَعَزَّزْنَا} بالتخفيف والتشديد: قوّينا الاثنين {بِثَالِثٍ فَقَالُواْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ}.
{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)} {قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَئ إِنْ} ما {أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ}.
{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)} {قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ} جار مجرى القسم، وزيد التأكيد به وباللام على ما قبله لزيادة الإِنكار في {إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}.
{وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)} {وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ البلاغ المبين} التبليغ البين الظاهر بالأدلة الواضحة وهي إبراء الأكمة والأبرص والمريض وإحياء الميت.
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)} {قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا} تشاءمنا {بِكُمْ} لانقطاع المطر عنا بسببكم {لَئِنْ} لام قسم {لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ} بالحجارة {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم.
{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)} {قَالُواْ طائركم} شؤمكم {مَّعَكُمْ} بكفركم {أَئِنْ} همزة استفهام دخلت على إن الشرطية وفي همزتها التحقيق والتسهيل وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأخرى {ذُكِّرْتُم} وُعظتم وخوِّفتم؟ وجواب الشرط محذوف، أي تطيرتم وكفرتم وهو محل الاستفهام، والمراد به التوبيخ {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} متجاوزون الحد بشرككم.
|